عن الاكتآب

عن الاكتآب


 

حوالي نصف تعداد العالم  لابد وانهم  قد عانوا في مرحله ما من  مراحل حياتهم  من الاكتآب، لكن هذه الحاله تظل تفهم وتفسر بشكل سئ لذلك فهي غالبا  ما يساء معالجتها .الصعوبه المشتركه  حول فهم الاكتآب هي الالتباس والحيره حول ما هو عليه في الواقع ، وخاصه كيفيه التمييز بين هذه الحاله المرضيه التي نعرفها واوجه التشابه الجمه بينها وبين الحزن، وذلك لاننا نميل بشكل عفوي الي وضع عدد من الافتراضات المصوره لحالات مرض الاكتآب بحيث تلائم بشكل افضل مفهوم الحزن الذي ما ان نلبث  في نهايه المطاف ان نعاني منه اكثر مما ينبغي.

ظاهريا وبشكل بارز توجد بعض أوجه التشابه بين الاشخاص الحزينين والكتأبين ؛ كلا المجموعتين  ينتحبون ، ايضا كلاهما في حاله تراجع وانسحاب من العالم المحيط، ايضا الشكوي من الكسل والفتور وشعور بالعزله من حياتهم الطبيعيه ، لكن هناك اختلاف واحد فارق بين الحزن والاكتآب  الا وهو ان الشخص الحزين  يعرف سبب حزنه بينما المكتئب لا .

من غير أيه تعقيدات يستطيع الشخص الحزين ان يعبر عن حزنه ويحكي عما يضايقه للآخرين، مثلا انا حزين بسبب وفاه جدتي او اني خسرت وظيفتي او ان اصدقائي لا يعاملوني معامله جيده ،لذا يبدو ذلك  غريبا علي  الشخص المكتئب وهي عدم القدره علي التعبير .ربما ينوح ويكون في حاله  انحطاط شديد ، لكنه لا يستطيع بصوره قاطعه ان يجزم السبب الذي استنزف معنى الحياه بالنسبه له، من الممكن ان يقول بكل بساطه بان الحياه بحد ذاتها ليس لها معنى. انه ليس الاكتئاب حول x أو y كما يمكن للمرء ان يكون حزينا حول x أو y. انهم بالدرجه الاولي بكل بساطه يعانون من حاله اكتآب.

وبشكل ملموس نجد عدم قدره الشخص المكتأب بأن يحسب حساب لمزاجيته التي يمكن ان يضعها مفتوحه لاتهامات  واحكام مبالغ فيها و مزيفه  لا مبرر لها ، الاصدقاء  المقربون يبدأون بكل حسن نيه بالمبالغه في البحث عن حلول للمشاكل القابله للذوبان التي من الممكن ان تنتهي بالاحباط بسبب العجز في احراز  تقدم بتحسن الحاله . من الممكن للشخص المكتأب ان يتعلق بأفكار غريبه وغير مهمه وخطيره نظرا لحالتهم المرضيه.  

من الممكن ان يتذمروا  او يبدأوا بالتشاؤم علي سبيل المثال بانه لا فائده من الذهاب للعمل ، بسبب ان الارض سوف تذوب  بواسطه الشمس بعد ٧،٥ ملايين من السنوات,او الاصرار بأن الحياه تنقصها كل المعاني لانهم فقط قاموا بالقاء كوب من الماء عالارض وكلشئ اصبح بشكل كامل ميئوس منه . 

في هذه المرحله، يمكن للمرء ان يسمع ما يمكن قوله ، اذا كانت حاله الاكتآب لا تملك ايه اسباب نفسيه معقوله، فان المشكله لابد وان تكون ملزمه ومرتبطه  مع نوع من انواع اختلال في توازن كيميائيه المخ ، لذلك يبدو من الافضل والاكثر فعاليه باستخدام الادويه للعلاج. ان فكره المناشده الكبيره ترجع في المقام الاول الي صناعه الادويه، لكن ايضا ترجع الاسباب  الي قلق الأسر والمدارس  وأرباب العمل ايضا اللذين يتوقون الي  ايجاد الحلول الفعاله والعاجله لمعالجه المرض من حيث التكلفه.

لكن هناك ايضا منهج آخر لحاله الاكتآب على الرغم من انه يبدو  ابطأ واكثر صعوبه لكنه علي  قدر كبير من الفعاليه على المدى الطويل.

نشات هذه الفكره من خلال الرؤيه المستمده من العلاج النفسي . يمكن القول بأن قواعد تهذيب وضبط النفس جعلت القدره علي استيعاب الاكتآب افضل من اي شئ آخر. 

ان الحدود الاساسيه للمعالجه النفسيه هي ان الشخص المكتأب هو شخص ليس بمكتأب كما اقترح ( من غير وجود اسباب ) ، لابد ان يكون هناك سبب لذلك ، انهم موجوعين لسبب وشئ معين ، لكن هذا الشئ اثبت بانه صعب للغايه لتحمل مسؤوليته ، لذلك السبب اصبح الاكتآب مقحم في نطاق ومجال خارجي من الوعي والادراك مما ادي الي تحطيم وخراب النفسيه والحض علي شعور لانهائي من العدميه .

لمرضى الاكتآب فان ادراك اسباب الحزن يبدو محبط للغاية، لذلك  فانهم بفضلون بشكل  لاشعوري  البقاء اموات لكل شئ مغاير لكل ما يثير  الاضطراب لشئ معين. 

الاكتآب هو حزن نسيت اسبابه الحقيقيه ، نسي لان محاوله التذكر من جديد من الممكن ان يولد مشاعر جارفه من الخساره والألم. 

 اذن ماهي الاسباب الحقيقيه التي تسبب هذه الظاهره، ربما الزواج من الشخص الخطأ، او ان الحياه الجنسيه ليس كما تصوره الشخص ان يكون،او الغضب من احد الوالدين لافتقارهم للرعايه في مرحله الطفوله. من اجل المحافظه على راحه البال فان المرء يختار بما يبدو اكثر حزما وإراده عنه عما هو عليه في الواقع ، بأن يكون مكتأب أفضل من ان يكون عنده ادراك تام . بحيث يختار  فقدان الحس المتواصل كحمايه ضد أي رؤيه مروعه. 

مع ذلك تبدو الامور اكثر صعوبه ، الشخص المكتأب لا يشعر بانه مدرك وواعي بانه ينقصه الاستبصار والفطنه ، انه غير مدرك بوجود فجوه في فهم الذات. بالاضافه الي ذلك في وقتنا الحاضر المكتأبون بالغالب يفترضون بانهم في حاله اكتآب كنوع من المرض الجسدي. الرأي او الحكم  الذي يعتبر اكثر طلبا ومناشده من  قبل صناعات الادويه مثلما يكون للاشخاص الاقرب للشخص المريض مع فائده الاستبصار  التي تظل مدفونه (اي اراء الاقرباء تظل مهمشه مقارنه بالادويه). 

 هناك اختلاف رئيسي  آخر  نلاحظه بين الحزن والاكتآب،  الشخص الحزين يحزن عندما يصاب بكارثه  حول موضوع معين حصل وليس بالضروره ان يمس الحزن شخصيه الفرد ، احترامه لذاته لم تتاثر بهذا الحزن،على النقيض الشخص المكتأب سوف يشعر بالتعاسه ويلقى اللوم علي ذاته بالكامل، بالاضافه الى الشعور بالذنب والخجل مع كره شديد للذات من الممكن ان تجعله ينتهي الي أبعد حدود في التفكير  بالانتحار وتكون النهايه  مأساويه جدا . 


 

١٠- بالنسبه لمعالجه الاضطرابات العقليه فإن أصول هذا العنف المزاجي لكره الذات يقع تحت طائله الغضب المكبوت بحيث يكون غير قادر على المواجهه المباشره اتجاه شخص آخر في العالم، مما يؤدي الي ان ينقلب الوضع ضد المعاني من الاكتآب، لذا نجد ان مشاعر الحقد والغضب المكبوته توجه ضد الشريك الذي يتخذ موقف دفاعي صارم كان يكون الشريك نفسه يعاني من اضطرابات نفسيه كأن ينكر علاقه جنسيه ولا يتقبلها او يكون معرض للاذلال في فتره الطفوله ،  

مما يؤي الي تفاقم الوضع ويبدأ الشريك بمهاجمه المكتأب.

من ناحيه المشاعر والعاطفه علي سبيل المثال ، لو فرصنا شخص نصع له رمز x  قد خذلني وهذا الامر ليس بلطيف لكن ممكن احتماله ، فيبدأ المعاني بلوم نفسه وتضخيم الامر بأنه شخص تافه ولا يمكن احتماله،فيبدا بكره الذات وكنوع من الدفاع النفسي يكره شخص آخر .

وتجدر الاشاره أيضا في كل هذا هو انه ، في كثير من الحالات ، يرتبط الاكتئاب مع المزاج المنتناقض علي ما يبدو ،  نوع  من الحالات يندرج تحت مسمى الهوس ، بالتالي يطلق علي هذا المصطلح باسم  "هوس الاكتئاب".  عند السؤال عن موضوع الهوس يبدو عن بعد كأننا نتكلم عن  السعادة ، تماما مثل الاكتئاب يمكن ان يبدو وكأنه الحزن. ولكن في منطقه واحده علي وجه الخصوص ، فان العلاقة بين الهوس والسعادة مطابقه لتلك التي بين الاكتئاب والحزن. والعنصر المشترك  بينهما هو التنصل من المعرفة الذاتية. في الهوس ، يبدو كانه شي مبهج ومفرح  ، ولكن ما ان نلبث ان نتعمق  بعقليه المرء واكتشاف الحقائق المريرة. وهو ما يفسر واحد من الخصائص الرائدة للناس المهووسين : عاداتهم وهم في حاله عراك مع النفس ، كان يتحدث  بسرعة كبيره عن لاشئ ، او الإفراط في ممارسه الرياضة ، او العمل المستمر ،  أو انفاق الكثير من المال ،،،كل هذه التصرفات تعتبر  كنوع من الهروب من الحزن  ، والغضب او الخسارة.

هذا النوع من التشخيص المقترح للمعالجه  تنبثق فكرته، ان ما يحتاجه الناس في  المعالجه قبل كل شيء هو فرصه للوصول إلى التعقل والاستبصار. لهذا ، فان المريض سوف يحتاج إلى مستمع صبور وداعم له بشكل كبير . ويمكن أيضا   الاستفادة من الادويه لكن  بشكل مؤقت كنوع  لرفع مزاجهم فقط بما فيه الكفاية حتى يتمكنوا من تحمل المحادثات . ولكن الافتراض هو أنً كيميائية المخ هو المكان الذي تبدأ فيه المشكلة أو تنتهي ؛ اليأس ناجم عن صدمه غير مهضومه وغير معروفه وغير محلوله. بعيدا عن الحاجة إلى ان تؤخذ من خلال أسباب للثقة بأن الحياة جميله . يجب ان يسمح للمكتأب ان يشعر ويتذكر ضرر معين حصل له -وان يمنح  الشعور الأساسي لشرعيه عواطفهم. يجب ان يسمح لهم بالغضب بحيث يصب هذا الغضب  علي الأهداف المعنيه التي احرجته وآلمته. 

إن الهدف من معالجه الاكتاب هو محاوله ابعاد وازاحه المعاني من المرض ومن الشعور باليأس اللامحدود والحداد علي خساره شئ معين،

علي سبيل المثال، اخر عشرين سنه مضت، علاقه زواج، وجود أمل بأن يكون الشخص محبوب من قبل والديه، مهنه ،،، الخ.

ومع ذلك فان المعاناة من البصيرة والحداد  ، يجب ان تكون دائما أفضل من السماح للخسارة بتلويث مجمل منظور المرء. هناك الكثير من الأشياء المروعة في حياه كل شخص-وهذا هو السبب في أنه من الطبيعي تماما ان يشعر بالحزن علي أسس ونظم اعتياديه. ولكن هناك أيضا دائما عدد كاف من الأشياء التي لا تزال جميله ومفعمه بالأمل ، طالما سمح للمرء ان يتفهم   حجم الألم والغضب-ويحزن  بشكل كاف ويكون متفهم  لخسائره.

  • مشاركة